إعلان

إعلان

الأحد، 8 أبريل 2012

الحب السليب أو الواقع النثري (قصة قصيرة) [بين سالم و مارى (Marie)]


الكاتب محمد عبد الودود ولد سيد محمد 
 فازت قصة الحب السليب والواقع النثري بجائزة متقدمة ضمن مسابقة المركز الثقافي المغربي للقصة القصيرة في موريتانيا لسنة 2011 .
وقد كتب القصة الشاب الكاتب محمد عبد الودود ولد سيد محمد مشاركة في المسابقة المذكورة وبتليمت اليوم وهي تنشر القصة تهنئ الشاب علي هذا الفوز المستحق .

نص القصة :
 ذات ليلة من ليالى العطلة الصيفية بانواكشوط، بينا أنا جالس أمام الحاسوب أتصفح حسابى على الموقع الاجتماعي"فيس بوك" وقد دب الملل إلى كيانى واعترانى إحساس بإرهاق قلَّ أن عرفت مثيله، بينا أنا كذلك إذ تُظهر أيقونة الأصدقاء إشعارا مفاده أن(("مارى" الفرنسية..تود مصادقتك))..فأؤكد على طلب  الصداقة، و على غير عادتى، دونما كثيرِ تردد.
           تبدأ المراسلات بينى وبينها... وعندها يطفق ذلك الإحساس بالملل.. يتبدد شيئا فشيئا:
ـ أين تسكنين؟
ـ فى العاصمة باريس، إلا أنى حاليا فى انواكشوط. وأنتَ.. أين تسكن؟
ـ أسكن بانواكشوط
ـ هذا رائع!
          وهكذا نواصل المراسلة وتبادل المعلومات بأسئلة وأجوبة غير شديدة العمق تتعلق، أول الأمر، بتقديم بعضِنا لبعضٍ نفسَه...
ظهر جليا أن بين شخصيتينا كثيرا من التقاطعات على أكثر من صعيد(التخصص الدراسي: الأدب واللغة، الهواية: السياحة والفنون والأستطيقا(علم الجمال)، الحالة الاجتماعية: أعزب يبحث عن شريك "مسؤول"..، العمر: بين 20و30سنة، الاهتمامات: السلام والحب..).

          بينما نحن كذلك إذ تبعث إلي أنْ: 
ـ أحقا أنك ما عرفتنى؟!
ـ لا، ليس بعد.. لكن لا أكتم عنك أنى، لما رأيتكِ، أولَ مرة، شبهتك بإحداهن كنت رأيتها من قبلُ، و أُراها، إن كنت لا أزال على ذُكر من اسمها، تحمل الاسم نفسَه الذى تحملين.. لكنى رأيت، حينها، أن من البعيد أن تكون هنا فى موريتانيةَ؛ فصرفتُ نفسى عما حسبتُه..توهما جدّ بعيد!
ـ وهل بقي هناك "بعيد" فى قاموس الألفية الثالثة، الحافل بالمتغيرات.. وشبه اللامُمْكنات..؟!

          وبدأ يعاودنى ذلك التوهم الذى كنت صرفته، وفكرت.. وقدَّرت.. وأطرقت.. وقلت لنفسى:((غير ممكن ومستحيل:"مارى" الفتاة الفرنسية، الصبيحة الوجه، الرائعة القد، الزكية النفس، الشاعرية الأكناف..ذات الحسب والنسب والنُّبل والجمال..!! لا يصدق!))، وأرسل إليها:
ـ مارى! أين درست التعليم العالى؟
ـ فى تونس العاصمة؛ لقد كان أبى سفير فرنسة المعتمَد آنذاك.. فهل تكون عرفتنى الآن؟؟
ـ لكن.. لمَ أنت فى موريتانية.. أتعملين فيها؟
ـ لا، إنما جئت بغرض السياحة. أليس مما أهوى السياحة؟! ألا تذكر؟!
ـ الآن يا مارى! الآن يا مارى! يا مرحبا بالزمن الجميل و أيام الصِّبا.. يوم أن كنا زميلي دراسة ورفيقي فكر وحب.. سُقيًا لتلك اللحظات العذبة الساحرة، و إيقاعات سيمفونياتها الآسرة!  أخبرينى أين أنت الآن بالضبط آتيكِ على جناح السرعة قبل أن تقومى من مقامك، وإنى مشتاق إليك أيَّما اشتياق!
ـ أنا فى فندق "اطفيله".
ـ إنى قادم يا أغلى آنسة أرتنيها الحياة.. و بكُل كُل سرور!!
          وأرتدى أجمل الملابس، و أتعطر من أحسن العطور، وأستقل السيارة الناصعة البياض الفارهة.. فى كامل زينتى!  وأعرج على "بائع الورود" وآخذ من عنده "باقة" من أزكى الورود رائحة، وأبهرها منظرا.. قد نُسقت تنسيقا وزُينت تزيينا، و أتلقف الباقة.. وكلى مغمور فرحة وسرورا وحبورا.. وكأنى مقبل على شيء عظيم يستدعى ما يستدعيه كلُّ أمر عظيم.
          ما إن أصل إلى قُدَّام الفندق.. وأنزل عن الطريق.. حتى أرى تلك الفارعة الشقراء الباريسية الفاتنة الفتية بامتياز ذاتَ الجمال الأخاذ.. بادية عليها آيات النعيم، تنبعث منها أشعة السحر المحرقة.. تستقبلنى وقد ارتسمت على وجهها بسمة أبدعها خالق الحسن إبداعا! حتى لكأن عينيها سرقتا من السماء لونها وصفاءها يوم الصحو، وأن "كيلوبترة المصرية" و "هيلينة الإغريقية" و"رابعة العدوية" اختُزلن وحُشرن، من جديد، فى هذه الصورة الماثلة أمامى!!  تستقبلنى فاتحة ذراعيها إيذانا بعناق من الدفء.. بمكان!  وتهش.. وتبش..  ثم ندخل.. ونتناول العشاء.. ونتبادل أطراف الحديث..كل أولئك فى شعرية وجلال منقطعي النظير!  ويمضى الوقت، سريعا، و ما إن نزداد إلا تآلفا وتناسقا وتناغما وانسجاما..! و ^يهجم الصبح هجوم الحرَس^.. لنفترقَ على أننا سنلتقى غدا.. لنذهب إلى الشاطئ ونقيل هناك.
          عند الشاطئ.. يدور بيننا حديث مطول.. لكنه، هذه المرة، متمحور جلُّه حول الحاضر والمستقبل أكثر منه حول الماضى، خلافا لما كان الليلة البارحة. بينما نحن كذلك إذ ألتفت إليها وكلى حياء.. و أسأل:
ـ ألا يمكن أنْ.. أنْ..؟[و لم أستطع إكمال الجملة]
فتنظر إلى وجهى الذى قد اعتلته حمرة طارئة..[و كانت شديدة إرهاف الحس!] فتبتسم.. وتقول: ـ بلى، إنه ممكن. و لِم لا؟
ـ أ تراكِ قد فهمتِ ما كنتُ أريد قوله؟
ـ و هل ترك الوجه مجالا لعدم الفهم؟! إنه، لا شك، أمر "القِران"! [هي تعلم أنى شاب مهذب لا يمكن أن يريد غير هذا..] ثم تردف قائلة: وما يدريكَ أنها اللحظة التى طالما انتظرتها و تمنيتُ وقوعها! ألست من استحوذ علي بسلطان جاذبيته القاهر.. حتى صار أمر العيش بدونك: حاله حال العيش دون عدل و خبز وماء وهواء؟!
            نسافر إلى فرنسةَ معا.. ويقام حفل الزواج الفاخر بحضور جم غفير من النخبة والنبلاء..! ونذهب فى "شهر العسل" مقسمينه..: عشرة أيام فى الأندلس بإسبانية، وعشرة أيام فى طنجة بالمغرب، و ثالثة فى انواذيبو بموريتانية.  ثم نرجع، من شهر العسل، إلى فرنسة، لنقضِّيَ فيها سنة..على أن تكون السنة التالية من نصيب موريتانيةَ، وهكذا.. و حياتنا مليئة بالهناء والسعادة.. ماضيَين ضاربَين أروع مثال فى الوئام والتفاهم لأروع رفيقين: إن اختلفا فى عرق البشر وثقافته.. فقد اتحدا فى عرق الحب وثقافته.. وقد كان الحب إسمنت الحياة!
         فى يوم من الأيام وأنا جالس فى حديقة المنزل الزاهية، أتمتع بجميل مناظرها وبديع حسنها و أتأمل آيات الجمال.. جالس على مقعد أمامه طاولة سماوية الحسن قد وضع عليها فنجان قهوة.. بينا أنا كذلك إذ يرن الهاتف الخاص بلحن النشيد الوطني الموريتاني، فأعرف أنه اتصال من موريتانية (ذلك أنى كنت خصصت هذه النغمة للمتصلين الموريتانيين) و الشهر نفمبر.. فتذكرت أن بعد أسبوع من الآن ستكون مراسيم تخليد العيد الوطني الموريتاني.. فأنادى بصوت عال قليلا تطبعه الفرحة و الدهشة..:
ـ مارى.. مارى..[أريد إعلامها بهذا النبإ العظيم الذى علمت به قبل قليل؛ لنستعد له..]
فوجئت بصوت، كأنى أعرفه، و أظننى أعرفه هناك فى موريتانية..، يقول صاحبه لى:
ـ سالم.. سالم.. ماذا دهاك؟! ماذا حل بك؟!
فأتابع ندائى دونما كثيرِ مبالاة..:
ـ مارى.. مارى.. أين أنت يا مارى؟!  [و أدرك أننى ،فى الواقع، على السرير، كنت نائما.. ويتبين لى أن صاحب الصوت الذى خلتُنى أعرفه..هو أختى"حنان"]  فترد حنان:
ـ يا أخى..وهل فى حينا هذا كلِّه..كلِّه..من اسمه"مارى"؟! بسْمِل واستعذ بالله من الشيطان!
ـ لكن..لا يصدق أن هذا الذى رأيت برمته.. برمته..لا أساس له من الصحة والواقعية! آهٍ من هذا الواقع المر..! آهٍ من هذا الواقع الأليم..! وا حسرتاه! ليتنى لم أستيقظ أبدا وبقيت فى ذلك العالم الشعري الجميل؛ لئلا يتبدد ويتلاشى ما كان انبنى لى و ازين تزينا..حيث ماست الحياة فى أسمى شعرية لها..!
         الواقع أنى فى الريف.. و من أين للريف بالشبكة العنكبوتية ومواقعها الاجتماعية..؟! أم من أين له بالفنادق الفاخرة و الشواطئ البحرية و المدن العامرة..؟!
          حلُم..كان سرابا بقيعة، حسبته و أنا ظمآن، جدّ ظمآن، ماء، فوجدت الواقع المر عنده ..فوفانى الحساب.. فما حاسبنى حسابا يسيرا.. وما انقلبت إلى أهلى مسرورا..!  ثم أنادى:
                                     §   ـ حنان.. ناولينى الوَضوء أصلِّى.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! 

هناك تعليق واحد:

  1. قصه رائعه جدا ومشوقه بارك الله فيك وسدد خطاك

    ردحذف