محمد ولد سيديا msr.btt@gmail.com |
تنفس الصبح ذات يوم بعد ما عسعس ليل طويل تاه فيه الناس ذات الشمال وذات اليمين .. وأشرقت شمس الأصيل تضيء ربوعا بها وقف الفهري ورابط بن ياسين .. ثم أضحت بعد ذلك منارا الأولي العزم من طلبة العلم والعارفين .. وطودا شامخا يضفي بظلال العز والكرامة على كل من استظل بظله أو احتمى بحماه ..
نصف قرن مضى على ذلك اليوم الحاضر الغائب وما زالت قصته محفوظة بكامل مفرداتها وحروفها في وجدان ذاكرتنا الجمعوية بأدق تفاصيلها وأبهى صورها .. وما أجملها من حكاية وأعذبها من كلمات يسردها و يرويها من عايشوا ذلك اليوم و كان نقطة فاصلة في حياتهم .. وما أروعها من قصص وأجلها من ملاحم سطرها الأجداد بدمائهم الزكية الغالية ودونت في كتاب التضحية المنثور في هذه الربوع المترامية الأطراف .. فكثيرا ما نتذكر أولئك المقاومين الكماة الذين أذاقوا المستعمر سوء العذاب فجر ذلك اليوم المشهود في أرض الرجال الأبية من تجكجة البطولة إلى لكويشيش الغراء .. ومن وديان الخروب الفيحاء إلى كدية أهل عبدوك الصامدة ..
ضحوة ذلك اليوم الخالد خرج سكان موريتانيا الفتية .. بلاد شنقيط المنارة والرباط عن بكرة أبيهم ولسان حالهم يقول :
يا موريتاني أعليك امبارك لستقلال أعليك أعليك أعليك امبارك لستقلال
وفي وجوه القوم حماس ما بعده حماس .. وشوق وتطلع لمستقبل زاهر ووضاء .. تجمهروا في ساحة الإستقلال وواكبوا رفع العلم الوطني للمرة الأولى .. واستنشقوا ذاك النسيم الأبي الذي نجم عن رفرفة العلم خفاقا في سماء الحرية الصافية على أوتار تدينيت سيداتي ولد آب التي عزفت النشيد الوطني للمرة الأولى بكلماته الصادقة ومعانيه الجليلة .. كان شعورا لا يصدق .. "إذ تم إعلان الإستقلال في عنبر كبير تمت تهيئته لهذا الغرض ، لكنه لم يستوعب سوى الضيوف وأهم الشخصيات الرسمية الوطنية وتمت الإحتفالات في ظروف ممتازة وفي أجواء أنست الضيوفنا ما افتقدوه من وسائل الراحة والأمن لدينا ، فأعلنت وقد أخذ مني الحماس والغبطة كل مأخذ كما هو متوقع .. استقلال بلادي قائلا : ها قد تحقق الحلم الذي طالما راود كل موريتاني وموريتانية وفي هذه العاصمة الفتية الوليدة أدعوكم إلى الاعتراف برمز الإرادة لشعب كله ثقة بمستقبله "[1]..
توالت بعد ذلك أحداث وفصول قصة ذلك اليوم المعلوم وبين سطورها شاهدت حملة للمشاعل ليلة العيد وسط هتافات كثيرة تمجد الوطن وتعزز روح الوطنية .. ضجت الأرض بعدها على وقع أقدام الرجال .. وشدني منظر جميل جليل عزيز في نفس .. تمثل في رفع العلم الوطني في سماء الحرية على يد وحدة من الحرس الوطني بعد تأديتها لتحية الشرف على أنغام النشيد الوطني وخضت مع الخائضين في سباق الجمالة والخيالة وألعابا كثيرة مخلدة لذكرى الإستقلال كثيرا ما رسمت البسمة على شفاه الصغار وغرست فيهم قيم الوطنية وروح التضحية وأعادت إلى أذهان الكبار ما عاناه الأجداد في سبيل بزوغ فجر ذلك اليوم المشهود.. الخالد .. المعلوم .. الحاضر الغائب الذي ألفت حوله تسع وأربعون حكاية وحكاية وخمسون احتفالية وخمسون ذكرى وخمسون تمجيدة وخمسون وخمسون وخمسون ثم خمسون ...!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق