إعلان

إعلان

الخميس، 10 فبراير 2011

الزبير".. رحلة العودة على النعش

سلمت قيادة أركان الجيش الوطني مساء أمس الأحد جثمان عنصر القاعدة الذي قتل جنوب البلاد إلى
سيد محمد ولد محمد الامين 
 ذويه، حيث تمت الصلاة عليه في جامع الإخلاص بحي تنسويلم قبل دفنه.
وقال شهود عيان إن القتيل ويدعى سيدي محمد ولد محمد الأمين ولد أحمدو المكنى "الزبير" (25 عاما) والذي قتل في انفجار قنبلة يدوية كانت معه أثناء ملاحقة الجيش له، مصاب في عنقه ويده اليسرى وإحدى رجليه.
سيدي محمد (الزبير)، ذلك الشاب الهادئ إلى درجة الانطواء، والكتوم إلى حد الغموض، عرف عنه كونه مقل من الصداقات والعلاقات، إلا من بعض رفاق المسجد ومعارف العمل والأقارب ـ هكذا يقول العارفون به ـ تربى في أحضان عائلته بين أخويه وهو أوسطهم، كأي شاب من وسطه العائلي.
كان "الزبير" يعمل في محل تجاري لبيع الأفرشة في السبخة، وله صداقات في أوساط الشباب "السلفي الجهادي"، وفي أكتوبر عام 2005، قرر فجأة الرحيل، فغادر منزل ذويه في حي تنسويلم، والحجة ـ كما هو شأن عدد من زملائه ـ طلب العلم، ولم تفلح محاولات رب العمل في ثنيه عن تلك "الرحلة الأخيرة"
رحل الفتى وانقطعت أخباره نهائيا عن ذويه، وبعد سنتين قرروا البحث عنه، فجابت رسلهم محاظر ولايتي لعصابة وتكانت، لكن لا اثر للفتي، واسترم الغموض يلف مصير "سيدي محمد"، حتى عام 2008، عندما رن الهاتف في ذلك المنزل المتواضع في حي تنسويلم، وكان "هو" على الطرف الآخر.. إنه سيدي محمد بصوته، وإن لم يكن هذه المرة بشحمه ولحمه وصورته، تأكد الأهل من الصوت، لكنهم لم يتأكدوا من حقيقة سر الاختفاء، فقد أصر الفتى على أنه مازال في رحلة طلب العلم.
آخر اتصال منه كان خلال شهر يناير الماضي، لكنه هذه المرة لم يكن لكتفي بطمأنتهم على سلامته، والسؤال عن حالهم ومآلهم، وإنما اتصل مبشرا بأن رحلة العلم قد انتهت وأنه عائد إلى أحضان البيت ومأوى العائلة، وبدأت أيام الترقب على العائلة تمتد وتمتد.. كل يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.. ثم جاء اتصال آخر عكر الصفو وخلط الأوراق، فالمتصل هذه المرة لم يكن "سيدي محمد"، وإنما شخص آخر أبلغهم بأن رسالة من "الزبير" في طريقها إليهم... يا إلاهي.. الزبير.. ومن الزبير؟.. هل دخل "الفتى" الوديع الهادئ، قاموس "الأسماء المتغيرة"، إنها الحقيقة تتضح وتنكشف.. "الزبير" هو الاسم الجديد الذي لم تختره له والدته، ولم يتخذه له والده ذلك الرجل الطيب الذي أوتي حظا من العلم وقسطا وافرا من الخلق.. بل هو اسم اختاره له رفاق السلاح هناك في "ربوع الجهاد"، و"صحراء الإسلام".
تأكد الأهل أن ابنهم لم يكن قعيد محظرة لطلب العلم، وإنما دلف إلى "صحراء القاعدة" في شمال مالي، ومع ذلك كان حلم عودته إليهم يكبر فيهم، فقد وعدهم في آخر اتصال له بإنهاء رحلة العلم والعودة.
لقد وصل الزبير سنة 2005 إلى معاقل "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"، وهناك تعرف على أمير الصحراء يومها "خالد أبو العباس"، وظل رفيق سلاح مقربا منه، تنقل بين هضاب ووهاد تلك الصحراء، متمنطقا بندقيته، ومتأبطا عدته وعتاده.. شارك مع "رفاق السلاح" في معارك ومواجهات، كتبت له النجاة منها، فقد شاء الله في أزله أن يودع الفتى الدنيا على ضفة نهر السنغال، بعيدا عن معاقل السلاح ومرابع الخلان.
وتمتد أيام الانتظار بالعائلة ترقبا لتحقق الوعدة بالعودة من "رحلة طلب العلم"، ثم تتلاحق الأحداث سراعا، فلم تكت عائلة "سيدي محمد" أو "الزبير"، بمنآى عن هموم ساكنة نواكشوط، فقد أيقظها كما ايقظ جل سكان العاصمة، صوت ذلك الانفجار القوي الذي اهتزت له الأرض من أركانها، وكادت المنازل تقع من سقوفها، ولم يعمر الخبر طويلا في طي الكتمان، فقد تناقلت وسائل الإعلام النبأ من فوره.. إنها سيارة مفخخة تقل مقاتلين من تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يفجرها الجيش على مشارف العاصمة.. إنه خبر يحمل "الكلمات المفاتيح، "القاعدة ـ مشارف نواكشوط، مقاتلون"، تتداخل الصور وتتشابك، ومع ذلك يظل الأمل في النفوس انتظارا لعودة "سيدي محمد".
تتسارع الأحداث وتنشر بعض وسائل الاعلام صورة واسم "سيدي محمد" (الزبير) بوصفه أحد اثنين، تلاحقهما القوات الموريتانية جنوب البلاد، يظهران ويختفيان كالأشباح في غابات واحراش الجنوب الموريتاني، وتتوالي أنباؤهما حيث يتنقلان بين قرى وبلدات معط مولانا، ولكصيبة، والبزول، وتسم، وفي تلك الرحلة يتضرجان بدم الدركي "عالي ولد بلخير" مساء الخميس وعلى مسافة زمنية قريبة من "ساعة الجمعة"، في بعض الأقوال، إنها رحلة مطاردة مثيرة كانت لها نهاية اتراجيدية، ما تمنتها الأسرة ولا عاشت لحظات الأمل ترقبا لها.
مساء السبت يأتي الخبر من غابة "هولندا" على مشارف بلدة "تسم2" جنوب غرب ولاية لبراكنة، لقد انتهت رحلة المطاردة، "اعتقل أحد الارهابيين، وقتل الثاني نفسه بتفجير قنبلة يدوية كانت معه"، كهذا قدم الجيش خلاصة الخبر.. لكن السؤال هذه المرة كبر وألح وتفاقم، من القتيل؟ ومن الأسير؟... وتمتد ساعات الترقب والتوجس ثقيلة كليل امرئ القيس
وليل كموج البحر أرخى سدوله.......علي بأنواع الهموم ليبتلى
ومساء الأحد جاء الخبر اليقين، بعد أن استدعت قيادة أركان الجيش أقارب "سيدي محمد" (الزبير)، وسلمتهم ذلك الجثمان المسجى.. إنه هو بشحمه ولحمه، لكن هذه المرة بلا صوت ولاروح.. فعلا لقد عاد من رحلة طلب العلم، لكنها لم تكن العودة المرجوة، فقد عاد لا ليدخل البيت مسلما مستأنسا، وإنما عاد محمولا على النعش إلى مثواه ألأخير، أما "قاتل الزبير"، فتقول السلطات إنه "الزبير نفسه .


 نقلا من موقع أخبار انواكشوط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق