إعلان

إعلان

السبت، 12 فبراير 2011

الثورة المصرية، غدٌ مشرق بإذن الله تعالى ! /عبد الرحمن المصطفى

عبد الرحمن المصطفى
فعلها إذاً شعب مصر العظيم، أسقط جنراله الجاثم على صدره من قبل أن يُخلق الورد والريحان الذي قاد عملية الإسقاط المعجِزة والملهمة في الوطن العربي.
خلافا للثورة في تونس، لم يكن باستطاعة أحد أن يتفرغ دقائق ليسطر رأيه في ما يجري على أرض الكنانة؛ لأن الأحداث كانت على ممر ثمانية عشر يوما تتلاحق، وينفي لاحقُها سابقَها، ولأنها أيضا تكفلت – لأول مرة – بصنع الخبر وتحليله.
ذات صباح، وبعد سقوط تِرب مبارك زين العابدين بن علي، كان وزير الخارجية أحمد أبو الغيط يرد بلهجة حادة على الصحفي المسكين الذي سأل عن إمكانية تأثر الأحوال في مصر بما جرى في تونس، كان أبو الغيط قد أعد جوابا مختصرا، يحمل شحنة غضبية فائقة، قال له: "هذا كلام فارغ!!"، رغم أن الثورة المصرية انطلقت بعد كلام الوزير بأقل من ثمانية وأربعين ساعة.
الثورة إذاً قرار يتخذ، وليست مُنية تُتمنى! هكذا فعل المصريون وقبلهم التونسيون، وبعدهم ما شاء الله من شعوب لا يجمع بينها سوى رابطة الظلم والجهل والفقر والتخلف، تشابهت مطالب شعوبها، ولم يتغير سوى نسبة الوطن، واسم الدكتاتور.
"مصر ليست تونس"، جملة حفظناها عن أساطين نظام البلطجية المهزوم، نتفق معهم فيها، ولكن مشارب الاتفاق مختلفة كل الاختلاف، فهم يرون أنه لن يحدث في مصر ما حدث في تونس، ونحن نرى أن التغيير في مصر سيؤثر تأثيرا أكثر عمقا، وأشمل رقعةً، وأسرع نتيجةً، منه في تونس، رغم أنها صاحبة الثورة الأولى، و"الاكتشاف الجديد"، ولكن السبب دقائق في علم العلاقات بين الدول في ما بينها وبين الشعوب تُحس ولا تُلمس جعلها الله من مميزات مصر، دون غيرها، لعل أهمها، أبوبها الثلاثة التي تفتح على قارات العالم القديم.
لقد اتضح من خلال الأحداث التي جرت في مصر وتونس كيف أن العرب محكومون بقصور من السراب، لا تؤثر في الفعل، ولكن تُري الرائي من بعيد شيئا وهميا يحسبه ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، أين الحزب الحاكم الذي سيطر كل الانتخابات بشعبيته "الوطنية" التي لا تقبل التدخل في شئون مصر الداخلية؟ وأين القائد الرمز حامي البلاد في السلم وأملها في الحرب؟ لقد كانت
فتَنهوي كدُلي خان ماتحَها ** أشطانُها فترامت بين أرجاء
فروا لا يلوون على شيء هاربين بأبدانهم من مقصلة الثورة التي تقول "لا نجوت إن نجا نظام مبارك"، وقبل أن يفروا بدأوا يتعاملون مع الحدث كما كانوا، بالأمن المركزي، الذي ولّى بالأدبار حين تبين له أن يوم الخامس والعشرين من يناير يختلف تماما عن الرابع والعشرين، اختلافَ الرابع من حزيران عن الخامس منه، فالأيام في مثل هذه الأحوال ذات مغزى ودلالات قد يكون من الظلم لها عدم اعتبار لـ"رمزيتها" في خضم البحث عن الحرية والكرامة.
قاوم نظام مبارك، وقارع الثورة، بما يملك وما لا يملك، طلب العون من الأصدقاء، وجلب الخيل والبغال والحمير، ولكن هيهات، أن يلتفت الثوار إلى ذلك كله، وقد اتخذوا قرارا بالثورة، ولم يتمنوها فقط!
لقد كان الثوار يدركون جيدا أن الخيار الوحيد أمامهم هو خروج مبارك، فرغم الطابع السلمي الحضاري، الذي سطرت الثورة به حروف العزة والكرامة والنصر، إلا أنهم كانوا يدركون أن نظام مبارك ما إن يستقيم واقفا حتى ينهش أولئك الثوار نهش القط الجائع لمزعة اللحم الطازجة؛ لذلك لم يلتفتوا إلى مسيلات الدموع، ولا إلى ذوات الأربع التي جلبها بلطجية رجال أعمال مبارك، لأن ما ينتظرهم أشد من كل هذه الأدوات كلها.
هي الثورة إذا تشعل أوارها في ربوع العرب، تنتقل من مكان إلى آخر، تُزهرها خراطيم المياه، ويزيد اشتعالها الزيت المصبوب من مسيلات الأمن المركزي، فلا صوت يعلوا فوق صوت الثورة.
وإدراكا منهم بهذه الحقيقة "الـمُرّة"، تبارى الزعماء العرب في الدفاع عن عميدهم، وتقديم شتى "حبال" النجاة له، لعل وعسى، ولكن
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
وربما الدولة الوحيدة التي لم يُرو عنها مدح لمبارك، هي دولة قطر، التي أصبحت قناة الجزيرة التي تبث منها، رأسَ حربة في كل ثورة تخرج من قمقم الظلم والحرمان في وطننا العربي الذي بدأ يتعافى من صدمة المخاللة المخلصة لأعدائه في إسرائيل والولايات المتحدة.
إن النظام السياسي في العالم العربي نظام دكتاتوري بطبعه، بسبب انتهاجه للنظام الرئاسي وشبه الرئاسي، وهو نظام لا يصلح للعالم الثالث إطلاقا، نتيجة تركيزه كل السلطات في شخص – قد لا يكون أمينا -، وأنجع طريق للنظم الديمقراطية هي النظام البرلماني، الذي يعتبر أكثر تمثيلا للشعب، بما يتيحه من فقدان لـ"الرمزية الشخصية"، التي يمتلكها الرئيس، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى الدول التي تتبع النظام البرلماني، ليتبين لك كيف أنها متقدمة بأشواط كبيرة، على نظيراتها الرئاسية، فلننظر مثلا إلى تركيا، ولبنان وحتى إسرائيل، في المنطقة، أليست هذه دول يُحترم فيها عقل المواطن ويستمع إلى رأيه؟، وهي مناسبة للدعوة إلى انتهاج النظام البرلماني في موريتانيا، باعتباره الأنجع والأفضل في ممارسة الديمقراطية الحقة، إضافة إلى أنه سيساعدنا على ترشيد الخطاب السياسي الذي نزل إلى مستوى الحضيض خلال الأسابيع الماضية، ووصل حد التشهير برموز موريتانية لا ننكر أخطاءها، ولكن ما قدمته للوطن يظل حتى الآن من أحسن ما قُدم له، وأعني هنا الرئيس المختار ولد داداه، الذي شن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على فترته هجوما لاذعا، في إطار "النقائض" الجارية بينه وبين حزب التكتل.
مرة أخرى نهنئ الشعب المصري، بعد التونسي، على عمله الرائع، وإزالته لبِنة من لبنات الفساد، وعدم قبوله للخدعة التي كان النظام يريدها باستبداله بالوجه المخابراتي عمر سليمان الذي هو أفضل لدى إسرائيل من مبارك نفسه، حسب ما قالت تسيبي ليفني، وهي بمصالح إسرائيل خبيرة.
كما هي أيضا تهنئة للشعب الفلسطيني، الذي يعرف أن تحرير أرضه يبدأ من تحرير القاهرة، وقد حُررت، والكل يتبع البعض إن شاء الله تعالى، وبالأخص هي تهنئة لشعب غزة البطل، الذي سامه نظام مبارك سوء العذاب، في مصر وغزة، وما بين ذلك، فلولا نظام مبارك ما وقعت الحرب على غزة، ولا حوصرت، ولا قُتل الأتراك في مرمرة.
لقد بدأت، بعد الثورة المصرية، تتشكل ملامح نظام شرق أوسطي يستمع إلى شعبه، أكثر منه إلى عدوه، فباستطاعة الحلف الخماسي، مصر، تركيا، إيران، سوريا، قطر، أن يرد للمنطقة هيبتها، ويحقق طموح أبنائها في العزة والكرامة، وما ذلك على الله بعزيز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق