إعلان

إعلان

الأحد، 10 يونيو 2012

في تأبين المرحوم اجاكيلي ولد المختار


تغمد الله فقيد الإدارة والشعب الموريتاني : الحاكم أجاكيلي ولد المختار، لقد كان ذا أخلاق حميدة وعلى قدر كبير من الاستقامة، يميل دائما إلى الحق ويقف عنده بعزم وقوة، لا تثنيه عنه قرابة ولا جهوية، ولا تهديد بإقالته من منصبه. يتجرد من السياسة والمحيط الاجتماعي الضيق عند ممارسته للأعمال الإدارية، فلا قرابة ولا موالاة ولا معارضة وإنما حق سينتزع لصاحبه مهما كلف ذلك.

لقد كان مثالا للإداري الصلب المستقيم، حيث سأعرض هنا حادثة وقعت معه بحضوري شخصيا.
لقد كنت ذات يوم معه في مكتبه، فسمعنا امرأة تتكلم عند الباب فرن الجرس على الحرسي فدخل علينا، فقال له من بالباب ؟ فأجاب إنها عجوز تريد لقاءك، قال دعها تدخل، فدخلت علينا، فسلم عليها يبتسم وقال : تفضلي، فقالت : إني عجوز أسكن في ( الكبة ) مع أبنائي، وقد جاءنا فلان ( منسق عام للحزب الحاكم آنذاك ومعروف جدا وتخافه الناس لقرابته بالسلطة العليا ) وطلب منا أن ندخل معه في الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، فرفضنا لأن الأبناء يفضلون المعارضة ( مع ولد داداه )، ومنذ ذلك الحين بدأ يضايقنا، وانتزع منا جزء من أرضنا وأعطاها لموالين للنظام، وجزء آخر طلب من الجيران أن يتخذوه محل تجميع الأوساخ، وأصبحنا محاصرين. فقال لها : هل يمكنك تأكيد ما تقولين؟ قالت نعم وبشهادة الجيران، قال  انتظري بالخارج  حتى أنظر في أمرك.
فأرسل على الفور فرقة من الحرس للتحقيق في القضية بعد أن حدد المكان. فجاءت الفرقة بتأكيد صحة دعوى السيدة العجوز، فأمر من فرقة الحرس أن تذهب للبحث عن الطرف الآخر على الفور، وعندما أحضروه سأله الحاكم هل تعرف السيدة التي هناك؟قال نعم. فقال له ماذا جرى بينك معها؟ فقال : إنها عجوز من المعارضة  ( رأسها مدكدك ) كثيرة الكلام تدعي دائما أن الناس يعتدون عليها ويضايقونها.فقال الحاكم: وأنت فعلت ذلك يا خبيث، إنها عجوز ولكنك أسأت عليها بشهادة آخرين، فلقد سبق لي وأن حققت في القضية، فوجدت أن دعواها صادقة وأنك سلبت منها جزء من أرضها وأعطيتها لأهل فلان، واحتليت جزء آخر وجعلته مكب للأوساخ. فوالذي لا إله إلا هو لترجعن لها أرضها كاملة على الفور ولتكفن عن الإساءة عليها وإلا سأسجنك وسأنتزع لها حقها من جسمك، وأردف يقول : أنا لا تهمني الموالاة ولا المعارضة، ما يهمني هو حقوق الناس حيث ما وجدت أنتزعها وأردها لأهلها، .......أخرج، أخرج ونفذ على الفور، وإياك وأن تشكو لي هذه السيدة منك مرة أخرى.
وطلب من الحرسي أن يدخل السيدة، فقال لها تأكدنا من صحة ما قلت، وأمرناه أن يعيد لك  أرضك وألا يضايقك مرة أخرى، وأصيك بالجار خيرا، وأطلب منك أن توافيني غدا بما جرى.
وفي اليوم الموالي اتصلت أنا بالحاكم وسألته عن قضية العجوز فقال لي أنها جاءته وأخبرته بأنه نفذ تلك الأوامر كاملة، وطلب منها المسامحة بوساطة جماعية.
إن هذه الحادثة تعطي دروسا عديدة من الإدارة والشريعة والأخلاق الفاضلة، وأمثلتها عديدة يقصر المجال لذكرها، إلا أنها قائمة وأثرا شاهدا على مسار صاحبها المستقيم ( حسب علمنا )، فما أحوجنا إلى مثله هذه الأيام.

تغمده الله بنعمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


محمد ولد محمد محمود

هناك تعليق واحد: